منذ
اللحظة التي نشرت فيها وسائل إعلام إسرائيلية، خبرا مفاده أن مصر بدأت
بناء جدار فولاذي بعمق 18 مترا على الحدود مع قطاع غزة لاغلاق الأنفاق
ومنع التهريب و الانتقاداتالموجهة ضد القاهرة لم تهدأ، على الرغم من أن
الأخيرة لم تعلن عن هذا الأمر بشكل رسمي.
المثير
والغريب في الأمر أنه في الوقت الذي تؤكد فيه (إسرائيل) على الأقل إعلاميا
صحة بناء الجدار الفولاذي، كما أكده جيفري فيلتمان، مساعد وزير الخارجية
الأمريكي، ومتحدثون عن وكالة غوث اللاجئين ، السلطات المصرية التزمت الصمت
حتى جاءت تصريحات وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط، الذي أكد أن من حق
مصر فرض سيطرتها على حدودها، مشددا على أن الأرض المصرية يجب أن تكون
مصانة و"يجب ألا يسمح أي مصري بأن تنتهك أرضه".
أما صحيفة "الجمهورية" المصرية دافعت عن إقامة هذا
الجدار وأكدت في افتتاحيتها أنه "حق سيادي" تمارسه القاهرة لتأمين حدودها،
قائلة:" الأسلوب الذي يتم به تقوية أساسات الجدار القائم متعارف عليه في
العالم كله، ويطبق في ناطحات السحاب حيث تكون الأساسات من ألواح الصلب".
وبحسب ما يتردد عن هذا الجدار فإنه سيكون مقاوما
للانفجار ولا يمكن اختراقه من قبل المتسللين الذي يستخدمون الأنفاق لكافة
عمليات التهريب بما فيها تهريب المخدرات وفق ما أعلنت الحكومة في غزة،
ويقال إن مواد هذا الجدار من صنع الولايات المتحدة.
المراقب لموقف مصر الرسمي وما يمكن قراءته من تصريحات سياسييها؛ يجد أنهم
يبررون بناء الجدار بمصلحة حيوية عليا لمصر وأن هذا جزء أساسي من سيادتها
على اراضيها، الا ان وسائل الاعلام المصرية المقربة من السلطة تبرر ايضاً
ذلك بأن بناء الجدار جاء نتيجة "الأخطاء السياسية التي اقترفتها فصائل
فلسطينية في إطار صراعها على السلطة، إضافة الى الخلاف الأيديولوجي
والسياسي بين القاهرة وحماس".
البعض يرى خاصة من الرسميين المصريين، بأن بناء
الجدار يحمي مصر من عقوبات دولية، بحجة عدم مشاركتها بفاعلية في الحرب على
ما يسمى الإرهاب!!
بتقديري الشخصي أن قصة بناء الجدار وإن صحت بالفعل وأعلن عنها رسمياً، لم
تكن الا في سياق محاولة جديدة لفرض الاستسلام على حماس في قطاع غزة.
خبراء عسكريون وأمنيون يرون أن هذا الجدار الفولاذي المزعوم مجرد إجراء
شكلي لن يغير من حقائق الأرض شيئا، مؤكدين أن عمليات التهريب عبر الحدود
المصرية لا يمكن منعها بشكل نهائي.
ولكن
الكل يعرف أن عملية تأمين حدود أي دولة بشكل كامل أمر غير موجود على أرض
الواقع، فالولايات المتحدة مثلا، بكامل قدراتها العسكرية والتكنولوجية لم
تستطع منع المتسللين عبر حدودها مع المكسيك، ومازالت تعاني من عمليات
تهريب المخدرات،وكذلك دول كثيرة ، ومن ثم فإن عملية عبور الحدود ليست صعبة
كما يتخيل البعض، والتهريب عبر غزة لن يتوقف كما يحاول البعض تصوير ذلك.
الشعب الغزي يعاني الأمرين ، و"مش ناقصة" همّ فوق همّه اليومي ومعاناة فوق معاناته المستمرة.
فالمواطن الغزي أصبح لا مفر له سوى الاعتماد كليا على الأنفاق التي تربط
قطاع غزة بمصر حتى يتمكن من توفير أبسط متطلبات حياته، هذه الانفاق أصبحت
تمثل شريان الحياة الذي يمد الغزيين بالأمل على مواصلة الحياة الذين
يعانون فيها من ويلات الفقر والحصار والظلم المتواصل ، فالمعابر ما زالت
مغلقة والفقر يتزايد وغلاء المعيشة يستفحل ..وما العمل في ضوء كل هذه
المنغصات؟ هل يكافأ أبناء قطاع غزة بجدار حديدي على صبرهم؟!
قد
يقول قائل إن لمصر حق التصرف ضمن مفهوم السيادة، وأن لبناء الجدار الفولاذ
ما يبرره استراتيجيا وسياسياً، سيما أن ما يحدث في غزة له علاقة عضوية
وبالغة التأثير في الأمن القومي المصري..!
في يناير من العام 2008 وعندما دخل الغزيون الحدود المصرية، كانت ردة فعل
الرئيس المصري محمد حسني مبارك لقوات الأمن المصرية: "اتركوهم يدخلوا
ليأكلوا وليشتروا الأغذية ثم يعودوا الى غزة، طالما أنهم لا يحملون
أسلحة".هذا الموقف للرئيس المصري لم يكن عفوياً، فالرئيس المصري استند على
طبيعة العلاقات المصرية الفلسطينية وخصوصاً مع قطاع غزة، فمصر ترى في قطاع
غزة عمقاً استراتيجياً لأمنها القومي، من هذا المنطلق يجب أن تدرك مصر
أنها تتحمل الجزء الأكبر عن معاناة أهل غزة ولئن كان خنق القطاع برمته
يمثل وصمة عار كبيرة في جبين العالم اليوم، فإن استكمال خنقه لا يعني سوى
الوصول إلى أعلى مراتب توحش السياسة! وإلا بماذا يمكن أن يُوصف بناء هذا
الجدار المزعوم إلا لتجويع مليون ونصف المليون فلسطيني وتدمير حياتهم
الاقتصادية ومعيشتهم وتعزيز كل مظاهر التوتر والتطرف بين ظهرانيهم، وفي أي
مصلحة إقليمية يصب؟ وإلى أي حد يتماشى خنق القطاع وسكانه مع الدور
الإقليمي المصري، حتى لا نقول مع الوجدان والضمير المصري الشعبي الجارف؟
إذا كانت لم تتحمل مصر مسؤوليتها تجاه من يموتون جوعاً في القطاع وأن ذلك
أصبح خارج يديها فإنه يجب عليها -على أقل تقدير- أن تتحمل مسؤوليتها
الانسانية!
اللحظة التي نشرت فيها وسائل إعلام إسرائيلية، خبرا مفاده أن مصر بدأت
بناء جدار فولاذي بعمق 18 مترا على الحدود مع قطاع غزة لاغلاق الأنفاق
ومنع التهريب و الانتقاداتالموجهة ضد القاهرة لم تهدأ، على الرغم من أن
الأخيرة لم تعلن عن هذا الأمر بشكل رسمي.
المثير
والغريب في الأمر أنه في الوقت الذي تؤكد فيه (إسرائيل) على الأقل إعلاميا
صحة بناء الجدار الفولاذي، كما أكده جيفري فيلتمان، مساعد وزير الخارجية
الأمريكي، ومتحدثون عن وكالة غوث اللاجئين ، السلطات المصرية التزمت الصمت
حتى جاءت تصريحات وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط، الذي أكد أن من حق
مصر فرض سيطرتها على حدودها، مشددا على أن الأرض المصرية يجب أن تكون
مصانة و"يجب ألا يسمح أي مصري بأن تنتهك أرضه".
أما صحيفة "الجمهورية" المصرية دافعت عن إقامة هذا
الجدار وأكدت في افتتاحيتها أنه "حق سيادي" تمارسه القاهرة لتأمين حدودها،
قائلة:" الأسلوب الذي يتم به تقوية أساسات الجدار القائم متعارف عليه في
العالم كله، ويطبق في ناطحات السحاب حيث تكون الأساسات من ألواح الصلب".
وبحسب ما يتردد عن هذا الجدار فإنه سيكون مقاوما
للانفجار ولا يمكن اختراقه من قبل المتسللين الذي يستخدمون الأنفاق لكافة
عمليات التهريب بما فيها تهريب المخدرات وفق ما أعلنت الحكومة في غزة،
ويقال إن مواد هذا الجدار من صنع الولايات المتحدة.
المراقب لموقف مصر الرسمي وما يمكن قراءته من تصريحات سياسييها؛ يجد أنهم
يبررون بناء الجدار بمصلحة حيوية عليا لمصر وأن هذا جزء أساسي من سيادتها
على اراضيها، الا ان وسائل الاعلام المصرية المقربة من السلطة تبرر ايضاً
ذلك بأن بناء الجدار جاء نتيجة "الأخطاء السياسية التي اقترفتها فصائل
فلسطينية في إطار صراعها على السلطة، إضافة الى الخلاف الأيديولوجي
والسياسي بين القاهرة وحماس".
البعض يرى خاصة من الرسميين المصريين، بأن بناء
الجدار يحمي مصر من عقوبات دولية، بحجة عدم مشاركتها بفاعلية في الحرب على
ما يسمى الإرهاب!!
بتقديري الشخصي أن قصة بناء الجدار وإن صحت بالفعل وأعلن عنها رسمياً، لم
تكن الا في سياق محاولة جديدة لفرض الاستسلام على حماس في قطاع غزة.
خبراء عسكريون وأمنيون يرون أن هذا الجدار الفولاذي المزعوم مجرد إجراء
شكلي لن يغير من حقائق الأرض شيئا، مؤكدين أن عمليات التهريب عبر الحدود
المصرية لا يمكن منعها بشكل نهائي.
ولكن
الكل يعرف أن عملية تأمين حدود أي دولة بشكل كامل أمر غير موجود على أرض
الواقع، فالولايات المتحدة مثلا، بكامل قدراتها العسكرية والتكنولوجية لم
تستطع منع المتسللين عبر حدودها مع المكسيك، ومازالت تعاني من عمليات
تهريب المخدرات،وكذلك دول كثيرة ، ومن ثم فإن عملية عبور الحدود ليست صعبة
كما يتخيل البعض، والتهريب عبر غزة لن يتوقف كما يحاول البعض تصوير ذلك.
الشعب الغزي يعاني الأمرين ، و"مش ناقصة" همّ فوق همّه اليومي ومعاناة فوق معاناته المستمرة.
فالمواطن الغزي أصبح لا مفر له سوى الاعتماد كليا على الأنفاق التي تربط
قطاع غزة بمصر حتى يتمكن من توفير أبسط متطلبات حياته، هذه الانفاق أصبحت
تمثل شريان الحياة الذي يمد الغزيين بالأمل على مواصلة الحياة الذين
يعانون فيها من ويلات الفقر والحصار والظلم المتواصل ، فالمعابر ما زالت
مغلقة والفقر يتزايد وغلاء المعيشة يستفحل ..وما العمل في ضوء كل هذه
المنغصات؟ هل يكافأ أبناء قطاع غزة بجدار حديدي على صبرهم؟!
قد
يقول قائل إن لمصر حق التصرف ضمن مفهوم السيادة، وأن لبناء الجدار الفولاذ
ما يبرره استراتيجيا وسياسياً، سيما أن ما يحدث في غزة له علاقة عضوية
وبالغة التأثير في الأمن القومي المصري..!
في يناير من العام 2008 وعندما دخل الغزيون الحدود المصرية، كانت ردة فعل
الرئيس المصري محمد حسني مبارك لقوات الأمن المصرية: "اتركوهم يدخلوا
ليأكلوا وليشتروا الأغذية ثم يعودوا الى غزة، طالما أنهم لا يحملون
أسلحة".هذا الموقف للرئيس المصري لم يكن عفوياً، فالرئيس المصري استند على
طبيعة العلاقات المصرية الفلسطينية وخصوصاً مع قطاع غزة، فمصر ترى في قطاع
غزة عمقاً استراتيجياً لأمنها القومي، من هذا المنطلق يجب أن تدرك مصر
أنها تتحمل الجزء الأكبر عن معاناة أهل غزة ولئن كان خنق القطاع برمته
يمثل وصمة عار كبيرة في جبين العالم اليوم، فإن استكمال خنقه لا يعني سوى
الوصول إلى أعلى مراتب توحش السياسة! وإلا بماذا يمكن أن يُوصف بناء هذا
الجدار المزعوم إلا لتجويع مليون ونصف المليون فلسطيني وتدمير حياتهم
الاقتصادية ومعيشتهم وتعزيز كل مظاهر التوتر والتطرف بين ظهرانيهم، وفي أي
مصلحة إقليمية يصب؟ وإلى أي حد يتماشى خنق القطاع وسكانه مع الدور
الإقليمي المصري، حتى لا نقول مع الوجدان والضمير المصري الشعبي الجارف؟
إذا كانت لم تتحمل مصر مسؤوليتها تجاه من يموتون جوعاً في القطاع وأن ذلك
أصبح خارج يديها فإنه يجب عليها -على أقل تقدير- أن تتحمل مسؤوليتها
الانسانية!