عن عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال أربع من كن فيه كان منافقًا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا
خاصم فجر وإذا عاهد غدر خرجه البخاري ومسلم
هذا الحديث خرجاه في الصحيحين من رواية الأعمش عن عبدالله بن مرة عن مسروق عن عبدالله بن عمرو بن العاص وخرجاه في الصحيحين أيضًا من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان وفي رواية لمسلم وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم وفي رواية له أيضًا من علامات المنافق ثلاث وقد روى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أخر وهذا الحديث قد حمله طائفة ممن يميل إلى الإرجاء على المنافقين الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم حدثوا النبي صلى الله عليه وسلم فكذبوه وائتمنهم على سره فخانوه ووعدوه أن يخرجوا معه في الغزو فأخلفوه وقد روى محمد المحرم هذا التأويل عن عطاء وأنه قال حدثني به جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أن الحسن رجع إلى قول عطاء هذا لما بلغه عنه وهذا كذب والمحرم شيخ كذاب معروف بالكذب وقد روي عن عطاء هذا لما بلغه من وجهين آخرين ضعيفين أنه أنكر على الحسن قوله ثلاث من كن فيه فهو منافق وقال حدث إخوة يوسف فكذبوا ووعدوا فأخلفوا وائتمنوا فخانوا ولم يكونوا منافقين وهذا لا يصح عن عطاء والحسن أم هذا من عنده وإنما بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم فالحديث ثابت عنه صلى الله عليه وسلم لا شك في ثبوته وصحته والذي فسره به أهل العلم المعتبرون أن النفاق في اللغة هو من جنس الخداع والمكر وإظهار الخير وإبطان خلافه وهو في الشرع ينقسم إلى قسمين أحدهما النفاق الأكبر وهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم وأخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار والثاني النفاق الأصغر وهو نفاق العمل وهو أن يظهر الإنسان علانية صالحة ويبطن ما يخالف ذلك وأصول هذا النفاق يرجع إلى الخصال المذكورة في هذه الأحاديث وهي خمس أحدها أن يحدث بحديث لم يصدق به وهو كاذب له.
وفي المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثًا هو لك مصدق وأنت به كاذب قال الحسن كان يقال النفاق اختلاف السر والعلانية والقول والعمل والمدخل والمخرج، وكان يقال أس النفاق الذي بني عليه الكذب والثاني إذا وعد أخلف وهو على نوعين أحدهما أن يعد ومن نيته أن لا يوفي بوعده وهذا أشر الخلق ولو قال أفعل كذا إن شاء الله تعالى ومن نيته أن لا يفعل كان كذبا وخلفا قاله الأوزاعي الثاني أن يعد ومن نيته أن يفي ثم يبدو له فيخلف من غير عذر له في الخلف.
وخرج أبو داود والترمذى من حديث زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا وعد الرجل ونوي أن يفي به فلم يف فلا جناح عليه وقال الترمذي ليس إسناده بالقوي.
وخرج الإسماعيلي وغيره من حديث سلمان أن عليا لقي أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فقال مالي أراكما ثقلين قالا حديث سمعناه من النبي صلى الله عليه وسلم ذكر خلال المنافق إذا وعد أخلف وإذا حدث كذب وإذا ائتمن خان فأينا ينجو من هذه الخصال فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال قد حدثتهما ولم أضعه على الوضع الذي تضعونه ولكن المنافق إذا حدث وهو يحدث نفسه أن يكذب وإذا وعد وهو يحدث نفسه أن يخلف وإذا اؤتمن وهو يحدث نفسه أن يخون وقال أبو حاتم الرازي في هذا الحديث من رواية سلمان وزيد بن أرقم الحديثان مضطربان والإسنادان مجهولان وقال الدراقطني الحديث مضطرب غير ثابت والله أعلم.
وخرجه الطبراني والإسماعيلي من حديث على مرفوعًا العدة دين ويل لمن وعد ثم أخلف قالها ثلاثًا وفي إسناده جهالة ويروى من حديث ابن مسعود قال لايعد أحدكم صبيه ثم لا ينجز له قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العدة عطية وفي إسناده نظر وأوله صحيح عن ابن مسعود من قوله وفي مراسيل الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العدة هبة وفي سنن أبي داود عن مولي لعبد الله بن عامر بن ربيعة عن عبدالله بن عامر بن ربيعة قال جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيتنا وأنا صبي فخرجت لألعب فقالت أمي ياعبد الله تعالى أعطك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ماأردت أن تعطيه قلت أردت أن أعطيه تمرا فقال إن لم تفعلي كتبت عليك كذبة وفي إسناده من لا يعرف وذكر الزهري عن أبي هريرة قال من قال لصبي تعالى هاك تمرا ثم لايعطيه شيئًا فهي كذبة وقد اختلف العلماء في وجوب الوفاء بالوعد فمنهم من أوجبه مطلقا وذكر البخاري في صحيحه أن ابن أشوع قضي بالوعد وهو قول طائفة من أهل الظاهر وغيرهم ومنهم من أوجب الوفاء به إذا اقتضي نفعا للموعود وهو المحكي عن مالك وكثير من الفقهاء لا يوجبونه مطلقا والثالث إذا خاصم فجر ويعني بالفجور أن يخرج عن الحق عمدا حتى يصير الحق باطلًا والباطل حقا وهذا مما يدعو إليه الكذب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار.
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم وقال صلى الله عليه وسلم إنكم لتختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي على نحو مما أسمع فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار وقال صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا فإذا كان الرجل ذا قدرة عند الخصومة سواء كانت خصومته في الدين أو في الدنيا على أن ينتصر للباطل ويخيل للسامع أنه حق ويوهن الحق ويخرجه في صورة الباطل كان ذلك من أقبح المحرمات وأخبث خصال النفاق وفي سنن أبي داود عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع وفي رواية له أيضًا ومن أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله الرابع إذا عاهد غدر ولم يف بالعهد وقد أمر الله بالوفاء بالعهد فقال وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا الإسراء وقال وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا النحل وقال إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلًا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم آل عمران.
وفي الصحيحين عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به وفي رواية إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال ألا هذه غدرة فلان وخرجاه أيضًا من حديث أنس بمعناه.
وخرج مسلم من حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكل غادر لواء عند يوم القيامة يعرف به والغدر حرام في كل عهد بين المسلم وغيره ولو كان المعاهد كافرًا ولهذا في حديث عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم من قتل نفسا معاهدة بغير حقها لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماخرجه البخاري وقد أمر الله تعالى في كتابه الوفاء بعهود المشركين إذا أقاموا على عهودهم ولم ينقضوا منها شيئًا وأما عهود المسلمين فيما بينهم بالوفاء بها أشد ونقضها أعظم إثما ومن أعظمها نقض عهد الإمام على من تابعه ورضي به.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم فذكر منهم ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه ما يريد وفي له وإلا لم يف له ويدخل في العهود التي يجب الوفاء بها ويحرم الغدر جميع عقود المسلمين فيما بينهم إذا تراضوا عليها من المبايعات والمناكحات وغيرها من العقود اللازمة التي يجب الوفاء بها، وكذلك ما يجب الوفاء به لله عز وجل مما يعاهد العبد ربه عليه من نذر التبرر ونحوه الخامس الخيانة في الأمانة فإذا اؤتمن الرجل أمانة فالواجب عليه أن يردها كما قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} النساء وقال النبي صلى الله عليه وسلم أد الأمانة إلى من ائتمنك وقال في خطبته في حجة الوداع من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها قال الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} الأنفال فالخيانة في الأمانة من خصال النفاق.
وفي حديث ابن مسعود من قوله وروى مرفوعًا القتل في سبيل الله يكفر كل ذنب إلا الأمانة يؤتي بصاحب الأمانة فيقال له أد أمانتك فيقول من أين يارب وقد ذهبت الدنيا فيقول اذهبوا به إلى الهاوية فيهوي حتى ينتهي إلى قعرها فيجدها هناك كهيئتها فيحملها فيضعها على عنقه فيصعد بها في نار جهنم حتى إذا رأي أنه قد خرج منها زلت فهوي فيهوي هو في أثرها أبد الآبدين قال والأمانة في الصلاة والأمانة في الصوم والأمانة في الحديث وأشد من ذلك الودائع وقد روي عن محمد بن كعب القرظي أنه استنبط ما في هذا الحديث أعني حديث آية المنافق ثلاث من القرآن وقال مصداق ذلك في كتاب الله تعالى إذا جاءك المنافقون المنافقون إلى قوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون المنافقون وقال تعالى {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} إلى قوله {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ} التوبة وقال {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ} الأحزاب إلى قوله {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ} الأحزاب وروى عن ابن مسعود نحو هذا الكلام ثم تلا قوله {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ} التوبة الآية وحاصل الأمر أن النفاق الأصغر كله يرجع إلى اختلاف السريرة والعلانية كما قاله الحسن.
وقال الحسن أيضًا من النفاق اختلاف القلب واللسان واختلاف السر والعلانية واختلاف الدخول والخروج.
وقال طائفة من السلف خشوع النفاق أن تري الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع.
وقد روى معنى ذلك عن عمر وروي عنه أنه قال على المنبر إن أخوف ما أخاف عليكم المنافق العليم قالوا كيف يكون المنافق عليما قال يتكلم بالحكمة ويعمل بالجور أو قال المنكر وسئل حذيفة عن المنافق فقال الذي يصف الإيمان ولا يعمل به.
وفي صحيح البخا ري عن ابن عمر أنه قيل له إنا ندخل على سلطاننا فنقول له بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عنده قال كنا نعد هذا نفاقا.
وفي المسند عن حذيفة قال إنكم لتكلمون كلاما إن كنا لنعده على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم النفاق وفي رواية قال إن الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصير بها منافقًا وأني لأسمعها من أحدكم في اليوم أو في المجلس عشر مرات قال بلال بن سعد المنافق يقول ما يعرف ويعمل ماينكر ومن هنا كان الصحابة يخافون النفاق على أنفسهم، وكان عمر يسأل حذيفة عن نفسه وسئل أبو رجاء العطاردي هل أدركت من أدركت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخشون النفاق فقال نعم إني أدركت منهم بحمد الله صدرا حسنا نعم شديدًا نعم شديدا.
وقال البخاري في صحيحه.
وقال ابن أبي مليكة أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ويذكر عن الحسن قال ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق انتهى وروى الحسن أنه حلف ما مضي مؤمن قط ولا بقي إلا وهو من النفاق غير آمن وما مضي منافق قط ولا بقي إلا وهو من النفاق آمن، وكان يقول من لم يخف النفاق فهو منافق وسمع رجل أبا الدرداء يتعوذ من النفاق في صلاته فلما سلم قال له ما شأنك وشأن النفاق فقال اللهم اغفر لي ثلاثًا لا تأمن البلاء والله إن الرجل ليفتن في ساعة واحدة فينقلب عن دينه والآثار عن السلف في هذا كثيرة جدًا قال سفيان الثوري خلاف ما بيننا وبين المرجئة ثلاث فذكر منها قال نحن نقول نفاق وهم يقولون لا نفاق وقال الأوزاعي قد خاف عمر النفاق على نفسه قيل لهم إنهم يقولون إن عمر لم يخف أن يكون يومئذ منافقًا حتى سأل حذيفة ولكن خاف أن يبتلي بذلك قبل أن يموت قال هذا قول أهل البدع يشير إلى أن عمر كان يخاف على النفاق على نفسه في الحال الظاهر أنه أراد أن عمر كان يخاف نفسه في الحال من النفاق الأصغر والنفاق الأصغر وسيلة إلى النفاق الأكبر كما أن المعاصي بريد الكفر وكما يخشي على من أصر على المعصية أن يسلب الإيمان عند الموت كذلك يخشي على من أصر على خصال النفاق أن يسلب الإيمان فيصير منافقًا خالصا وسئل الإمام أحمد ما تقول فيمن لا يخاف على نفسه النفاق قال ومن يأمن على نفسه النفاق، وكان الحسن يسمي من ظهرت منه أوصاف النفاق العملي منافقًا وروى نحوه عن حذيفة وقال الشعبي من كذب فهو منافق وحكي محمد بن نصر المروزي هذا القول عن فرقة من أهل الحديث وقد سبق في أوائل الكتاب ذكر الاختلاف عن الإمام أحمد وغيره في مرتكب الكبائر هل يسمي كافرًا كفرا لا ينقل عن الملة أم لا واسم الكفر أعظم من اسم النفاق ولعل هذا هو الذي أنكره عطاء على الحسن إن صح ذلك عنه ومن أعظم خصال النفاق العملي أن يعمل الإنسان عملًا ويظهر أنه قصد به الخير وإنما عمله ليتوصل به إلى غرض له سييء فيتم له ذلك ويتوصل بهذه الخديعة إلى غرضه ويفرح بمكره وخداعه وحمد الناس له على ما أظهره ويتوصل به إلى غرضه السييء الذي أبطنه وهذا قد حكاه الله في القرآن عن المنافقين واليهود فحكي عن المنافقين أنهم {اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} التوبة.
وأنزل في اليهود {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} آل عمران وهذه الآية نزلت في اليهود سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه وأخبروه بغيره فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم وما سئلوا عنه قال ذلك ابن عباس وحديثه مخرج في الصحيحين وفيهما أيضًا عن أبي سعيد أنها نزلت في رجال من المنافقين كانوا إذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغزو وتخلفوا عنه فرحوا بمقعدهم خلافه فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا.
وفي حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من غشنا فليس منا والمكر والخديعة في النار وقد وصف الله المنافقين بالمخادعة ولقد أحسن أبو العتاهية في قوله:
ليس الدنيا إلا بدين وليـ *** س الدين إلا مكارم الأخلاق
إنما المكر والخديعة في النا *** ر وهما من خصال أهل النفاق
ولما تقرر عند الصحابة رضي الله عنهم أن النفاق هو اختلاف السر والعلانية خشي بعضهم على نفسه أن يكون إذا تغير عليه حضور قلبه ورقته وخشوعه عند سماع الذكر برجوعه إلى الدنيا والاشتغال بالأهل والأولاد والأموال أن يكون ذلك منه نفاقًا كما في صحيح مسلم عن حنظلة الأسدي أنه مر به أبو بكر رضي الله عنه وهو يبكي فقال مالك قال نافق حنظلة يا أبا بكر نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالجنة والنار كأنهما رأي العين فإذا رجعنا عافسنا الأزواج والصبية فنسينا كثيرًا قال أبو بكر فو الله إنا لكذلك فانطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مالك يا حنظلة قال نافق حنظلة يا رسول الله وذكر له مثل ما قال لأبي بكر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تدومون على الحال التي تقومون بها من عندي لصافتحكم الملائكة في مجالسكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة.
وفي مسند البزار عن أنس قال قالوا يا رسول الله إنا نكون عندك على حال فإذا فارقناك كنا على غيره قال كيف أنتم قالوا الله ربنا في السر والعلانية قال ليس ذاكم من النفاق وروى من وجه آخر عن أنس قال غدا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا هلكنا قال وما ذاك قالوا النفاق قال ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله قالوا بلى قال فليس ذاك بالنفاق ثم ذكر يعني حديث حنظلة كما تقدم.
رقـم الفتوى : 30478
عنوان الفتوى : شرح حديث " الحلال بين والحرام بين "
تاريخ الفتوى : 03 صفر 1424 / 06-04-2003
السؤال
عن أبي عبد الله النعـمان بن بشير رضي الله عـنهما قـال: سمعـت رسـول الله صلي الله عـليه وسلم يقول: (إن الحلال بين وإن الحـرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه ألا وهي الـقـلب) هلاّ وضحتم لنا هذا الحديث بالتفصيل؟
أثابكم الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس...".
أجمع العلماء على عظم موقع هذا الحديث، وكثرة فوائده، وأنه أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، وسبب عظم موقعه أنه صلى الله عليه وسلم نبه فيه على إصلاح المطعم والمشرب والملبس وغيرها، وأنه ينبغي ترك المشتبهات، فإنه سبب لحماية الدين والعرض، وحذر من مواقعة الشبهات...
فأما قوله صلى الله عليه وسلم: "الحلال بين والحرام بين" فمعناه أن الأشياء ثلاثة أقسام:
- حلال بين واضح، كالخبز والفواكه والزيت والعسل والكلام والنظر والمشي....
- وحرام بين، وهو الخمر والخنزير والغيبة والنميمة...
- والمشتبهات، وهي أمور ليست بواضحة الحل ولا الحرمة، فلهذا لا يعرفها كثير من الناس ولا يعلمون حكمها.
أما العلماء، فيعرفون حكمها بنص أو قياس أو غير ذلك، فإذا تردد الشيء بين الحل والحرمة، ولم يكن فيه نص ولا إجماع اجتهد فيه المجتهد فألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي، فإذا ألحقه به صار منه، وقد يكون دليله غير خال من الاحتمال البين، فيكون الورع تركه، ويكون داخلاً في قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه". أي: حصلت له البراءة لدينه من الذم الشرعي، وصان عرضه عن كلام الناس فيه.
وقوله: "إن لكل ملك حمى، وإن حمى الله محارمه" معناه أن الملوك من العرب وغيرهم يكون لكل منهم حمى يحميه عن الناس، ومن دخله أوقع به العقوبة، ولله تعالى حمى هو محارمه أي المعاصي التي حرمها، كالقتل والزنا والسرقة... ومن قارب شيئاً من ذلك يوشك أن يقع فيه، "إلا وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب"
.
قال أهل اللغة: المراد تصغير القلب بالنسبة إلى باقي الجسد، مع أن صلاح الجسد وفساده تابعان للقلب، وفي هذا الحديث التأكيد على السعي في إصلاح القلب وحمايته من الفساد.
واحتُج بهذا الحديث على أن العقل في القلب لا في الرأس، وفيه خلاف مشهور، ومذهب أهل السنة وجماهير المتكلمين على أنه في القلب، وقال أبو حنيفة: إنه في الرأس.
وحكى ذلك عن الأطباء، ولك أن تنظر شرح الحديث المذكور في فتح الباري على صحيح البخاري، والنووي على صحيح مسلم وغيرهما.
وراجع في المسألة الأخيرة الجواب رقم: 13977.
والله أعلم.
المفتـــي: مركز الفتوى
http://www.islamweb.net/ver2/fatwa/ShowFat...;Option=FatwaId
فى أمان الله وحفظه ...
قال أربع من كن فيه كان منافقًا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا
خاصم فجر وإذا عاهد غدر خرجه البخاري ومسلم
هذا الحديث خرجاه في الصحيحين من رواية الأعمش عن عبدالله بن مرة عن مسروق عن عبدالله بن عمرو بن العاص وخرجاه في الصحيحين أيضًا من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان وفي رواية لمسلم وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم وفي رواية له أيضًا من علامات المنافق ثلاث وقد روى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أخر وهذا الحديث قد حمله طائفة ممن يميل إلى الإرجاء على المنافقين الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم حدثوا النبي صلى الله عليه وسلم فكذبوه وائتمنهم على سره فخانوه ووعدوه أن يخرجوا معه في الغزو فأخلفوه وقد روى محمد المحرم هذا التأويل عن عطاء وأنه قال حدثني به جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أن الحسن رجع إلى قول عطاء هذا لما بلغه عنه وهذا كذب والمحرم شيخ كذاب معروف بالكذب وقد روي عن عطاء هذا لما بلغه من وجهين آخرين ضعيفين أنه أنكر على الحسن قوله ثلاث من كن فيه فهو منافق وقال حدث إخوة يوسف فكذبوا ووعدوا فأخلفوا وائتمنوا فخانوا ولم يكونوا منافقين وهذا لا يصح عن عطاء والحسن أم هذا من عنده وإنما بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم فالحديث ثابت عنه صلى الله عليه وسلم لا شك في ثبوته وصحته والذي فسره به أهل العلم المعتبرون أن النفاق في اللغة هو من جنس الخداع والمكر وإظهار الخير وإبطان خلافه وهو في الشرع ينقسم إلى قسمين أحدهما النفاق الأكبر وهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم وأخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار والثاني النفاق الأصغر وهو نفاق العمل وهو أن يظهر الإنسان علانية صالحة ويبطن ما يخالف ذلك وأصول هذا النفاق يرجع إلى الخصال المذكورة في هذه الأحاديث وهي خمس أحدها أن يحدث بحديث لم يصدق به وهو كاذب له.
وفي المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثًا هو لك مصدق وأنت به كاذب قال الحسن كان يقال النفاق اختلاف السر والعلانية والقول والعمل والمدخل والمخرج، وكان يقال أس النفاق الذي بني عليه الكذب والثاني إذا وعد أخلف وهو على نوعين أحدهما أن يعد ومن نيته أن لا يوفي بوعده وهذا أشر الخلق ولو قال أفعل كذا إن شاء الله تعالى ومن نيته أن لا يفعل كان كذبا وخلفا قاله الأوزاعي الثاني أن يعد ومن نيته أن يفي ثم يبدو له فيخلف من غير عذر له في الخلف.
وخرج أبو داود والترمذى من حديث زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا وعد الرجل ونوي أن يفي به فلم يف فلا جناح عليه وقال الترمذي ليس إسناده بالقوي.
وخرج الإسماعيلي وغيره من حديث سلمان أن عليا لقي أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فقال مالي أراكما ثقلين قالا حديث سمعناه من النبي صلى الله عليه وسلم ذكر خلال المنافق إذا وعد أخلف وإذا حدث كذب وإذا ائتمن خان فأينا ينجو من هذه الخصال فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال قد حدثتهما ولم أضعه على الوضع الذي تضعونه ولكن المنافق إذا حدث وهو يحدث نفسه أن يكذب وإذا وعد وهو يحدث نفسه أن يخلف وإذا اؤتمن وهو يحدث نفسه أن يخون وقال أبو حاتم الرازي في هذا الحديث من رواية سلمان وزيد بن أرقم الحديثان مضطربان والإسنادان مجهولان وقال الدراقطني الحديث مضطرب غير ثابت والله أعلم.
وخرجه الطبراني والإسماعيلي من حديث على مرفوعًا العدة دين ويل لمن وعد ثم أخلف قالها ثلاثًا وفي إسناده جهالة ويروى من حديث ابن مسعود قال لايعد أحدكم صبيه ثم لا ينجز له قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العدة عطية وفي إسناده نظر وأوله صحيح عن ابن مسعود من قوله وفي مراسيل الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العدة هبة وفي سنن أبي داود عن مولي لعبد الله بن عامر بن ربيعة عن عبدالله بن عامر بن ربيعة قال جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيتنا وأنا صبي فخرجت لألعب فقالت أمي ياعبد الله تعالى أعطك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ماأردت أن تعطيه قلت أردت أن أعطيه تمرا فقال إن لم تفعلي كتبت عليك كذبة وفي إسناده من لا يعرف وذكر الزهري عن أبي هريرة قال من قال لصبي تعالى هاك تمرا ثم لايعطيه شيئًا فهي كذبة وقد اختلف العلماء في وجوب الوفاء بالوعد فمنهم من أوجبه مطلقا وذكر البخاري في صحيحه أن ابن أشوع قضي بالوعد وهو قول طائفة من أهل الظاهر وغيرهم ومنهم من أوجب الوفاء به إذا اقتضي نفعا للموعود وهو المحكي عن مالك وكثير من الفقهاء لا يوجبونه مطلقا والثالث إذا خاصم فجر ويعني بالفجور أن يخرج عن الحق عمدا حتى يصير الحق باطلًا والباطل حقا وهذا مما يدعو إليه الكذب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار.
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم وقال صلى الله عليه وسلم إنكم لتختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي على نحو مما أسمع فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار وقال صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا فإذا كان الرجل ذا قدرة عند الخصومة سواء كانت خصومته في الدين أو في الدنيا على أن ينتصر للباطل ويخيل للسامع أنه حق ويوهن الحق ويخرجه في صورة الباطل كان ذلك من أقبح المحرمات وأخبث خصال النفاق وفي سنن أبي داود عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع وفي رواية له أيضًا ومن أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله الرابع إذا عاهد غدر ولم يف بالعهد وقد أمر الله بالوفاء بالعهد فقال وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا الإسراء وقال وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا النحل وقال إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلًا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم آل عمران.
وفي الصحيحين عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به وفي رواية إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال ألا هذه غدرة فلان وخرجاه أيضًا من حديث أنس بمعناه.
وخرج مسلم من حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكل غادر لواء عند يوم القيامة يعرف به والغدر حرام في كل عهد بين المسلم وغيره ولو كان المعاهد كافرًا ولهذا في حديث عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم من قتل نفسا معاهدة بغير حقها لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماخرجه البخاري وقد أمر الله تعالى في كتابه الوفاء بعهود المشركين إذا أقاموا على عهودهم ولم ينقضوا منها شيئًا وأما عهود المسلمين فيما بينهم بالوفاء بها أشد ونقضها أعظم إثما ومن أعظمها نقض عهد الإمام على من تابعه ورضي به.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم فذكر منهم ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه ما يريد وفي له وإلا لم يف له ويدخل في العهود التي يجب الوفاء بها ويحرم الغدر جميع عقود المسلمين فيما بينهم إذا تراضوا عليها من المبايعات والمناكحات وغيرها من العقود اللازمة التي يجب الوفاء بها، وكذلك ما يجب الوفاء به لله عز وجل مما يعاهد العبد ربه عليه من نذر التبرر ونحوه الخامس الخيانة في الأمانة فإذا اؤتمن الرجل أمانة فالواجب عليه أن يردها كما قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} النساء وقال النبي صلى الله عليه وسلم أد الأمانة إلى من ائتمنك وقال في خطبته في حجة الوداع من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها قال الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} الأنفال فالخيانة في الأمانة من خصال النفاق.
وفي حديث ابن مسعود من قوله وروى مرفوعًا القتل في سبيل الله يكفر كل ذنب إلا الأمانة يؤتي بصاحب الأمانة فيقال له أد أمانتك فيقول من أين يارب وقد ذهبت الدنيا فيقول اذهبوا به إلى الهاوية فيهوي حتى ينتهي إلى قعرها فيجدها هناك كهيئتها فيحملها فيضعها على عنقه فيصعد بها في نار جهنم حتى إذا رأي أنه قد خرج منها زلت فهوي فيهوي هو في أثرها أبد الآبدين قال والأمانة في الصلاة والأمانة في الصوم والأمانة في الحديث وأشد من ذلك الودائع وقد روي عن محمد بن كعب القرظي أنه استنبط ما في هذا الحديث أعني حديث آية المنافق ثلاث من القرآن وقال مصداق ذلك في كتاب الله تعالى إذا جاءك المنافقون المنافقون إلى قوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون المنافقون وقال تعالى {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} إلى قوله {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ} التوبة وقال {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ} الأحزاب إلى قوله {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ} الأحزاب وروى عن ابن مسعود نحو هذا الكلام ثم تلا قوله {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ} التوبة الآية وحاصل الأمر أن النفاق الأصغر كله يرجع إلى اختلاف السريرة والعلانية كما قاله الحسن.
وقال الحسن أيضًا من النفاق اختلاف القلب واللسان واختلاف السر والعلانية واختلاف الدخول والخروج.
وقال طائفة من السلف خشوع النفاق أن تري الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع.
وقد روى معنى ذلك عن عمر وروي عنه أنه قال على المنبر إن أخوف ما أخاف عليكم المنافق العليم قالوا كيف يكون المنافق عليما قال يتكلم بالحكمة ويعمل بالجور أو قال المنكر وسئل حذيفة عن المنافق فقال الذي يصف الإيمان ولا يعمل به.
وفي صحيح البخا ري عن ابن عمر أنه قيل له إنا ندخل على سلطاننا فنقول له بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عنده قال كنا نعد هذا نفاقا.
وفي المسند عن حذيفة قال إنكم لتكلمون كلاما إن كنا لنعده على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم النفاق وفي رواية قال إن الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصير بها منافقًا وأني لأسمعها من أحدكم في اليوم أو في المجلس عشر مرات قال بلال بن سعد المنافق يقول ما يعرف ويعمل ماينكر ومن هنا كان الصحابة يخافون النفاق على أنفسهم، وكان عمر يسأل حذيفة عن نفسه وسئل أبو رجاء العطاردي هل أدركت من أدركت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخشون النفاق فقال نعم إني أدركت منهم بحمد الله صدرا حسنا نعم شديدًا نعم شديدا.
وقال البخاري في صحيحه.
وقال ابن أبي مليكة أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ويذكر عن الحسن قال ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق انتهى وروى الحسن أنه حلف ما مضي مؤمن قط ولا بقي إلا وهو من النفاق غير آمن وما مضي منافق قط ولا بقي إلا وهو من النفاق آمن، وكان يقول من لم يخف النفاق فهو منافق وسمع رجل أبا الدرداء يتعوذ من النفاق في صلاته فلما سلم قال له ما شأنك وشأن النفاق فقال اللهم اغفر لي ثلاثًا لا تأمن البلاء والله إن الرجل ليفتن في ساعة واحدة فينقلب عن دينه والآثار عن السلف في هذا كثيرة جدًا قال سفيان الثوري خلاف ما بيننا وبين المرجئة ثلاث فذكر منها قال نحن نقول نفاق وهم يقولون لا نفاق وقال الأوزاعي قد خاف عمر النفاق على نفسه قيل لهم إنهم يقولون إن عمر لم يخف أن يكون يومئذ منافقًا حتى سأل حذيفة ولكن خاف أن يبتلي بذلك قبل أن يموت قال هذا قول أهل البدع يشير إلى أن عمر كان يخاف على النفاق على نفسه في الحال الظاهر أنه أراد أن عمر كان يخاف نفسه في الحال من النفاق الأصغر والنفاق الأصغر وسيلة إلى النفاق الأكبر كما أن المعاصي بريد الكفر وكما يخشي على من أصر على المعصية أن يسلب الإيمان عند الموت كذلك يخشي على من أصر على خصال النفاق أن يسلب الإيمان فيصير منافقًا خالصا وسئل الإمام أحمد ما تقول فيمن لا يخاف على نفسه النفاق قال ومن يأمن على نفسه النفاق، وكان الحسن يسمي من ظهرت منه أوصاف النفاق العملي منافقًا وروى نحوه عن حذيفة وقال الشعبي من كذب فهو منافق وحكي محمد بن نصر المروزي هذا القول عن فرقة من أهل الحديث وقد سبق في أوائل الكتاب ذكر الاختلاف عن الإمام أحمد وغيره في مرتكب الكبائر هل يسمي كافرًا كفرا لا ينقل عن الملة أم لا واسم الكفر أعظم من اسم النفاق ولعل هذا هو الذي أنكره عطاء على الحسن إن صح ذلك عنه ومن أعظم خصال النفاق العملي أن يعمل الإنسان عملًا ويظهر أنه قصد به الخير وإنما عمله ليتوصل به إلى غرض له سييء فيتم له ذلك ويتوصل بهذه الخديعة إلى غرضه ويفرح بمكره وخداعه وحمد الناس له على ما أظهره ويتوصل به إلى غرضه السييء الذي أبطنه وهذا قد حكاه الله في القرآن عن المنافقين واليهود فحكي عن المنافقين أنهم {اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} التوبة.
وأنزل في اليهود {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} آل عمران وهذه الآية نزلت في اليهود سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه وأخبروه بغيره فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم وما سئلوا عنه قال ذلك ابن عباس وحديثه مخرج في الصحيحين وفيهما أيضًا عن أبي سعيد أنها نزلت في رجال من المنافقين كانوا إذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغزو وتخلفوا عنه فرحوا بمقعدهم خلافه فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا.
وفي حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من غشنا فليس منا والمكر والخديعة في النار وقد وصف الله المنافقين بالمخادعة ولقد أحسن أبو العتاهية في قوله:
ليس الدنيا إلا بدين وليـ *** س الدين إلا مكارم الأخلاق
إنما المكر والخديعة في النا *** ر وهما من خصال أهل النفاق
ولما تقرر عند الصحابة رضي الله عنهم أن النفاق هو اختلاف السر والعلانية خشي بعضهم على نفسه أن يكون إذا تغير عليه حضور قلبه ورقته وخشوعه عند سماع الذكر برجوعه إلى الدنيا والاشتغال بالأهل والأولاد والأموال أن يكون ذلك منه نفاقًا كما في صحيح مسلم عن حنظلة الأسدي أنه مر به أبو بكر رضي الله عنه وهو يبكي فقال مالك قال نافق حنظلة يا أبا بكر نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالجنة والنار كأنهما رأي العين فإذا رجعنا عافسنا الأزواج والصبية فنسينا كثيرًا قال أبو بكر فو الله إنا لكذلك فانطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مالك يا حنظلة قال نافق حنظلة يا رسول الله وذكر له مثل ما قال لأبي بكر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تدومون على الحال التي تقومون بها من عندي لصافتحكم الملائكة في مجالسكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة.
وفي مسند البزار عن أنس قال قالوا يا رسول الله إنا نكون عندك على حال فإذا فارقناك كنا على غيره قال كيف أنتم قالوا الله ربنا في السر والعلانية قال ليس ذاكم من النفاق وروى من وجه آخر عن أنس قال غدا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا هلكنا قال وما ذاك قالوا النفاق قال ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله قالوا بلى قال فليس ذاك بالنفاق ثم ذكر يعني حديث حنظلة كما تقدم.
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
حامل المسك ونافخ الكير،
حامل المسك ونافخ الكير،
الحديث النبوي الشريف:
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه رائحة طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة خبيثة ). متفق عليه.
نستنتج من الحديث التربية الأسرية التالية:
1ـ بيان أنواع الرفاق والجلساء:
يبين الحديث أنواع الرفقاء والجلساء والأصدقاء فإما أن يكون الصديق صالحاً نافعاً على كل الوجوه كحامل المسك، وإما أن يكون صديقاً سيئاً ضاراً وهذا كنافخ الكير وعندما تصنف الأصدقاء يعلم الصديق ماذا سيجني من صديقة.
2ـ نفع الأصدقاء ومضارهم:
فبعد أن يتعلم المتعلم أصناف الأصدقاء والجلساء , يبين الرسول صلى الله عليه وسلم نفع النافع وضرر الضار وفي هذا تربية إيمانية صحيحة.
فالجليس الصالح يعلمك ما ينفعك في دينك ودنياك , ويحثك على الاجتهاد والعمل الجاد ومكارم الأخلاق ومحاسنها بقوله وعمله , ويرفع همتك وإيمانك فالهمة والإيمان تتأثران بالبيئة المحيطة بالإنسان فالصحابي قال للصحابي هيّا بنا نؤمن ساعة أي: نجلس في طاعة الله ساعة وأنت على كل حال متنفع بالصالح إما بالرؤية الطبية أو السماع الطيب أو المسلك الطيب.
أما الصنف الثاني جليس السوء وصاحب السوء فهو شر على من خالطه يكون عوناً للنفس الإمارة بالسوء ويضرك في دنياك ودينك ويقلل همتك للعمل والتفوق والنجاح.
3ـ التحبيب في الجليس الصالح:
ففي الحديث دعوة إلى التقرب والقرب وملازمة الصالح فهو نافع رائحته طيبه وسلوكه طيب وعمله طيب , وهو كمن يجالس بائع المسك إما أن ترى الطيب وإما أن تشم رائحة الطيب وإما أن يهديك أو تشتري منه، وهذا المثل يقرب النفوس وهذا يحبب النشء في الجليس الصالح.
4ـ التنفير من الجليس السوء:
ـ ففي الحديث تنفير من جليس السوء والصديق السيء فهو ضار وحارق ونتن المنظر نتن الرائحة نتن المسلك نتن العاقبة وإذا وعي النشىء هذا المثل نفر من الجليس السيء.
ـ تحويل المعنويات إلى محسوسات:
فالخلق السيء والخلق الحسن أشياء مجردة المعنى محسوسة النتائج , وضرب المثل يحول المعنويات إلى محسوسات أي حول السلوك الطيب إلى مسك ورائحة وشراء للطيب، كما حول السوء إلى نار ودخان وفحم ورائحة كريهة وحرق للثياب , وهذا أسلوب تربوي حديث التعلم بضرب الأمثال، والتعلم بالوسائل التعليمية، والمواقف التعليمية وفي هذا إحداث للتعلم القوي في وقت قصير وأوضح مفاهيم.
5ـ استغلال المتضادات في التربية:
فالمثل يقول: وبضدها تميز الأشياء، فوضع صوره المسك وبائع المسك، ورائحة المسك وشراء المسك وإهداء المسك، بجوار صورة الفحم والكير والنار والدخان والرائحة الكريهة وتلف الثوب يجسد المعاني كما قلنا ويؤكد عليها.
6ـ التعلم بضرب المثل:
استخدم المصطفى صلى الله عليه وسلم تعديل السلوك والتعلم بضرب المثل , وهذا نوع من التربية يجب التأكيد عليه واتباعه عند إعداد مناهج التربية الأسرية وتنفيذها.
7ـ الطبع يُعدي:
يؤكد الحديث على أن الطبع يُعدي ويَعْدي , ويجب الفرار من قرين السوء فرارنا من المريض بالأمراض المعدية الفتاكة والمنفرة , وهذا ما أكد عليه الحديث وما يجب أن نؤكد في مناهجنا وعند توجيهنا لأبنائنا لأن بعض الطلاب والأبناء يتصورون أنهم محصنون ضد التأثير بأخلاق الصحبة السيئة.
8ـ الوقاية خير من العلاج:
ففي الحديث وقاية من الوقوع في مجالس السيئين والتأثر بأخلاقهم , وهذا مبدأ تربوي مهم فقد كان الصحابي الجليل حذيفة يقول: ( كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني) وهذا ما يجب أن نعلمه لأبنائنا وطلابنا ومعلمينا أثناء تدريبهم للتربية الأسرية.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه رائحة طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة خبيثة ). متفق عليه.
نستنتج من الحديث التربية الأسرية التالية:
1ـ بيان أنواع الرفاق والجلساء:
يبين الحديث أنواع الرفقاء والجلساء والأصدقاء فإما أن يكون الصديق صالحاً نافعاً على كل الوجوه كحامل المسك، وإما أن يكون صديقاً سيئاً ضاراً وهذا كنافخ الكير وعندما تصنف الأصدقاء يعلم الصديق ماذا سيجني من صديقة.
2ـ نفع الأصدقاء ومضارهم:
فبعد أن يتعلم المتعلم أصناف الأصدقاء والجلساء , يبين الرسول صلى الله عليه وسلم نفع النافع وضرر الضار وفي هذا تربية إيمانية صحيحة.
فالجليس الصالح يعلمك ما ينفعك في دينك ودنياك , ويحثك على الاجتهاد والعمل الجاد ومكارم الأخلاق ومحاسنها بقوله وعمله , ويرفع همتك وإيمانك فالهمة والإيمان تتأثران بالبيئة المحيطة بالإنسان فالصحابي قال للصحابي هيّا بنا نؤمن ساعة أي: نجلس في طاعة الله ساعة وأنت على كل حال متنفع بالصالح إما بالرؤية الطبية أو السماع الطيب أو المسلك الطيب.
أما الصنف الثاني جليس السوء وصاحب السوء فهو شر على من خالطه يكون عوناً للنفس الإمارة بالسوء ويضرك في دنياك ودينك ويقلل همتك للعمل والتفوق والنجاح.
3ـ التحبيب في الجليس الصالح:
ففي الحديث دعوة إلى التقرب والقرب وملازمة الصالح فهو نافع رائحته طيبه وسلوكه طيب وعمله طيب , وهو كمن يجالس بائع المسك إما أن ترى الطيب وإما أن تشم رائحة الطيب وإما أن يهديك أو تشتري منه، وهذا المثل يقرب النفوس وهذا يحبب النشء في الجليس الصالح.
4ـ التنفير من الجليس السوء:
ـ ففي الحديث تنفير من جليس السوء والصديق السيء فهو ضار وحارق ونتن المنظر نتن الرائحة نتن المسلك نتن العاقبة وإذا وعي النشىء هذا المثل نفر من الجليس السيء.
ـ تحويل المعنويات إلى محسوسات:
فالخلق السيء والخلق الحسن أشياء مجردة المعنى محسوسة النتائج , وضرب المثل يحول المعنويات إلى محسوسات أي حول السلوك الطيب إلى مسك ورائحة وشراء للطيب، كما حول السوء إلى نار ودخان وفحم ورائحة كريهة وحرق للثياب , وهذا أسلوب تربوي حديث التعلم بضرب الأمثال، والتعلم بالوسائل التعليمية، والمواقف التعليمية وفي هذا إحداث للتعلم القوي في وقت قصير وأوضح مفاهيم.
5ـ استغلال المتضادات في التربية:
فالمثل يقول: وبضدها تميز الأشياء، فوضع صوره المسك وبائع المسك، ورائحة المسك وشراء المسك وإهداء المسك، بجوار صورة الفحم والكير والنار والدخان والرائحة الكريهة وتلف الثوب يجسد المعاني كما قلنا ويؤكد عليها.
6ـ التعلم بضرب المثل:
استخدم المصطفى صلى الله عليه وسلم تعديل السلوك والتعلم بضرب المثل , وهذا نوع من التربية يجب التأكيد عليه واتباعه عند إعداد مناهج التربية الأسرية وتنفيذها.
7ـ الطبع يُعدي:
يؤكد الحديث على أن الطبع يُعدي ويَعْدي , ويجب الفرار من قرين السوء فرارنا من المريض بالأمراض المعدية الفتاكة والمنفرة , وهذا ما أكد عليه الحديث وما يجب أن نؤكد في مناهجنا وعند توجيهنا لأبنائنا لأن بعض الطلاب والأبناء يتصورون أنهم محصنون ضد التأثير بأخلاق الصحبة السيئة.
8ـ الوقاية خير من العلاج:
ففي الحديث وقاية من الوقوع في مجالس السيئين والتأثر بأخلاقهم , وهذا مبدأ تربوي مهم فقد كان الصحابي الجليل حذيفة يقول: ( كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني) وهذا ما يجب أن نعلمه لأبنائنا وطلابنا ومعلمينا أثناء تدريبهم للتربية الأسرية.
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
" الحلال بين والحرام بين "
رقـم الفتوى : 30478
عنوان الفتوى : شرح حديث " الحلال بين والحرام بين "
تاريخ الفتوى : 03 صفر 1424 / 06-04-2003
السؤال
عن أبي عبد الله النعـمان بن بشير رضي الله عـنهما قـال: سمعـت رسـول الله صلي الله عـليه وسلم يقول: (إن الحلال بين وإن الحـرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه ألا وهي الـقـلب) هلاّ وضحتم لنا هذا الحديث بالتفصيل؟
أثابكم الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس...".
أجمع العلماء على عظم موقع هذا الحديث، وكثرة فوائده، وأنه أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، وسبب عظم موقعه أنه صلى الله عليه وسلم نبه فيه على إصلاح المطعم والمشرب والملبس وغيرها، وأنه ينبغي ترك المشتبهات، فإنه سبب لحماية الدين والعرض، وحذر من مواقعة الشبهات...
فأما قوله صلى الله عليه وسلم: "الحلال بين والحرام بين" فمعناه أن الأشياء ثلاثة أقسام:
- حلال بين واضح، كالخبز والفواكه والزيت والعسل والكلام والنظر والمشي....
- وحرام بين، وهو الخمر والخنزير والغيبة والنميمة...
- والمشتبهات، وهي أمور ليست بواضحة الحل ولا الحرمة، فلهذا لا يعرفها كثير من الناس ولا يعلمون حكمها.
أما العلماء، فيعرفون حكمها بنص أو قياس أو غير ذلك، فإذا تردد الشيء بين الحل والحرمة، ولم يكن فيه نص ولا إجماع اجتهد فيه المجتهد فألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي، فإذا ألحقه به صار منه، وقد يكون دليله غير خال من الاحتمال البين، فيكون الورع تركه، ويكون داخلاً في قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه". أي: حصلت له البراءة لدينه من الذم الشرعي، وصان عرضه عن كلام الناس فيه.
وقوله: "إن لكل ملك حمى، وإن حمى الله محارمه" معناه أن الملوك من العرب وغيرهم يكون لكل منهم حمى يحميه عن الناس، ومن دخله أوقع به العقوبة، ولله تعالى حمى هو محارمه أي المعاصي التي حرمها، كالقتل والزنا والسرقة... ومن قارب شيئاً من ذلك يوشك أن يقع فيه، "إلا وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب"
.
قال أهل اللغة: المراد تصغير القلب بالنسبة إلى باقي الجسد، مع أن صلاح الجسد وفساده تابعان للقلب، وفي هذا الحديث التأكيد على السعي في إصلاح القلب وحمايته من الفساد.
واحتُج بهذا الحديث على أن العقل في القلب لا في الرأس، وفيه خلاف مشهور، ومذهب أهل السنة وجماهير المتكلمين على أنه في القلب، وقال أبو حنيفة: إنه في الرأس.
وحكى ذلك عن الأطباء، ولك أن تنظر شرح الحديث المذكور في فتح الباري على صحيح البخاري، والنووي على صحيح مسلم وغيرهما.
وراجع في المسألة الأخيرة الجواب رقم: 13977.
والله أعلم.
المفتـــي: مركز الفتوى
http://www.islamweb.net/ver2/fatwa/ShowFat...;Option=FatwaId
فى أمان الله وحفظه ...